الأربعاء، 8 يناير 2020

سخرت حياتي لإنقاذ الطفولة ماحييت من العمر



‏سابقاً كنت أتهرب وأتحاشى البشر، لأني لم أتحمل الأذى النفسي الذي كنت ألقاه منهم من السخرية والتنمر والتحقير، وغياب أصغر صورة من صور الاحترام!
‏واليوم، وبعد أن تعلمت كيف أدفع الضر وأرد الأذى، مازلت أتحاشاهم،  السبب لا يعنيني بصورة مباشرة، لكن قلبي لا يقوى على مشاهدة أذية الأرواح!

‏اخترت الطفولة، اخترت حِراسة براءة الطفولة وطهرها، لذا جُلَّ وعيي وثقافتي هي عنهم، وفي الدين، الطفل على الفطرة! والفطرة هي ثوب أبيض ناصع، والثوب يتسخ بما يُواجه!
‏حتى يُصبح هذا البياض الناصع سواد قاتم!
‏قررت تكريس حياتي في الحفاظ على بياض فطرتهم! فالفطرة هي ميزانهم للحق والباطل!

‏لا سُلطة لي إلّا على صغاري، لكنّي لا أستطيع مَنع قلبي من التألم من الإجرام المُدّمر المتعمد والغير مُتعمد في حق هذه الأرواح البريئة الجديدة على هذه الدنيا الخبيثة القاسية!
‏ويؤلمني أكثر تَعنّت الأهالي المقيت وإصرارهم على جهلهم الفاحش!
‏أكره شعور العجز وقلة الحيلة، لذا قررت التحاشي!

‏عندما تُبشَّر الأم بِحملها، تعزم أن تُربّيه كما تربّت! وتقوم بِسماع جميع النصائح المغلوطة في كيفية جعل الطفل صَنَم أَخرساً بلا هوية ولا شخصية! ومقياس نجاحها كأُم يتعمد على مدى محيها لشخصية ابنها، وجعله مُطيعاً لها طاعةً عمياء  لدرجة إن قالت له اقفز من النافذة، سيقول سمعاً وطاعة!

‏من الأمّهات من زال مُتمسّكاً بِدعوى الجاهلية في نبذ البنات والاهتمام بالصبيان!
‏بِكْرُها بنت جميلة، لم تكترث لها، أنجبت أخاً، وأصبحت الأم أمّاً بانجاب الطفل!
‏الطفلة صغيرة تُشاهد الحنان والاهتمام والحب والاحتواء، وتشتهيه في صمت!
‏تحولت هذه الشهوة -التي هي من كامل حقوقها- لفعل عكسي!!

‏فكانت بين سلوكين، الأول لفت الانتباه بالمشاغبة والعند والرفض،والثاني هو الانتقام من هذا الكائن! فتارة تحاول تقليد ماشاهدته في الكرتون المُسمم وتحاول كتم أنفاس هذه الرضيع حتى كاد يموت، وتارة تضع في فَمه ألعابا صغيرة،والعض والقرص والضرب أصبح عادتها وديدنها معه،وهي بنت الثلاث أعوام!

‏تجيء الأم وتتفنن في سَب وضرب هذه الطفلة، بعبارات جارحة واتهامات غبية وكأنّ هذه الطفلة هي بنت الشر بِعَينه!
‏وتُضيف لهذه الطفلة مصطلح الغيرة والكره!
‏والطفل كائن ذكي ويتلبس بما تصفوه!
‏فتقول لها:
‏بطلي غيرة، ليش بتكرهي أخوكي يامؤذية؟ مو حرام بوبو صغير! لتروحي النار! روحي يارزيلة تفو!

‏ثم تعتبر الأم هذا تعباً من متاعب الأمومة، وتتباهى بِسَرد هذا الموقف في اجتماع نسائي، والبنت حاضرة مُستمعة للبشاعة التي تصفها بها أمها! وجميع الحاضرات -للأسف أمهات- أشد جهلاً! فقاموا بتعنيف هذه المسكينة وتوصيفها بألقاب أبشع، وسرد قصص خرافية ظناً منهم أنهم سيردعوها عن هذه التصرفات!

‏نصحت الأم سرّاً -لأني أعلم أنّ مامن أحد يرتضي أن يُنصح على الملأ- قبل أن تسرد هذا الموقف علناً، والجميع ضاحكات وأنا أتألم وأنظر لهذه الطفلة وأتمنى لو بإمكاني أخذها وضمها مع أطفالي وإنقاذها من هذه الأسرة الجاهلة المؤذية، سألتني احداهم لِم لَم تضحكي؟
‏أجبتهم بأن الموقف مليء بالأسى!!

سَخِرن من جوابي، شرحت وجهة نظري، وبيّنت لهم أن الطفل بريء لا يقصد شراً مهما بدت أفعالهم لنا شريرة!وأن الطفل يتلبس بما نصفه، تصف بنتها بأنها تغار وبأنها تكره، سوف تصير كما وصفتها هذه الأم!
‏قاطعتني إحداهن:
‏اي زودتيها، كلنا اهالينا ربونا هيك، وعين الله علينا!
‏لزمت الصمت وتركت الجمع.

‏نعم (كلنا أهالينا ربونا هيك)، لكننا جميعنا نحمل ندوباً في أرواحنا بسبب جهل أهلنا!
‏جميعنا يملك عُقداً نفسية من عقد النقص، وفقدان الثقة، وكره الذات، احتقار الغير والحقد عليهم، والخوف والتردد، والشك في قدراتنا ومواهبنا، والكثير من العقد التي لا تُحصر ولا تدون!

‏لذا فهذه بئس التربية!

فطرتنا سويّة، وديننا قويم، والدين يحفظ الفطرة، والأصل في إنسانيتنا المُجرَّدة هي الحب لا الكره، الصدق لا الكذب، العطاء لا المنع، الظن الحسن لا السيء!

‏لا يُشترط بك تحصيلاً علمياً حتى تكون ذا وعي!
‏يكفي أن تكون إنساناً صالحاً لم يُمِت شعوره وقلبه!

مشاركة مميزة

ما الذي تفتقده البشرية يا تُرى؟