الأحد، 12 ديسمبر 2021

حرمان الطفل من التكنولوجيا: أذى وشر؟؟ أم خير في حقه؟؟

كـعادتي دائماً ما أستلهُم الأفكار من مُعاشرتي للبشر، والحديث إليهم رغم ضيقي وضجري من الناس وحبي بأن أبقى في البيت ساكنة آمنة مُطمئنة.



سألتني إحداهُنّ عن تطبيقات الأطفال التي أُحمّلها لطفلتي ابنة الأربعة أعوام، أجبتها متعجبة وهل يوجد تطبيق للأطفال؟


لم تفهم هي مغزى سؤالي، فأجابتني بالطبع يوجد تطبيقات متعددة للأطفال، وكذلك يوجد متصفح مَعرفي خاص بهم!

قلت لها، لم تفهميني، ما عنيتُ بسؤالي:: هل الأطفال يستخدمون الهاتف أو أي وسيلة الكترونية برمجية سواء كانت للتصفح أو للعب؟!

استنكرت هي سؤالي، وطلبت مني الجِدِّية في الإجابة وختمت قولها بأنَّه لا يُوجد طفل في هذا العالم اليوم لا يستخدم الأجهزة الالكترونية بمُختلف أنواعها، ونحن الآباء في طفولتنا استخدمنا التلفاز!!

قلت لها:: بل يوجد يا عزيزتي، بالنسبة لي أنا، التلفاز كان مُقنَّن جداً جداً في طفولتي، كانت ساعات فراغي مَقضية إمَّا باللعب مع إخوتي أو بالدمّى الخاصة بي.




وبالنسبة لأطفالي -سبع سنوات وأربع سنوات- فــللَّه الحمدُ والفضل والمنَّة التلفاز مَهجور وغير مرغوب، والحاسوب المحمول نستخدمه عند النشاط المدرسي أو للبحث عن معلومة ما وجدناها في مكتبتنا الصغيرة، والهاتف هو لي وحدي أنا فقط، ولا يوجد جهاز لوحي.


صُدِمت ولم تستطع تصديقي، أخبرتها بأني لم أُنهي كلامي بعد، وأمسكت يديها، وأخذتها لأُريَّها بيئة أطفالي، التي أنشئتها على فترات طويلة متتابعة بحسب المقدرة والتوفّر.

هنا على هذه الأرفف الألعاب وغالبها ألعاب تنمية عقلية وفكرية، لا مجرد شخصيات وأصوات وبطاريات!

وهنا لوح أبيض للكتابة أو الرسم أو حتى الشخبطة أو للشرح أو للعب أو للحساب.

وهنا الخيمة، أو البيت الخاص بهم، ومكان لعبهم، مُحاط ومزيّن بدباديبهم المفضّلة، وأمام بيتهم لوح مُقوّس خشبي للتوازن أو التزحلق أو أي إبداع يطرق ببالهم.

وهنا مكتبتهم الصغيرة، تحوي قصصاً مصوّرة للصغيرة، وكتباً قيِّماً لأخوها الكبير، وهنا أوراق وهنا حافظة لأوراق ابداعهم، وهنا الأقلام والألوان، وهنا قسمهم المفضلّ جداً المجَّلات الشهرية وأشهرها "مجلة ماجد".

وهنا مكان تعلّم فنّ التسوق والتبضّع والحساب، أحدهم يجلس وهو البائع، والآخر يشتري.

أمَّا هنا؛ فهذا قسم الألعاب الجماعية العائلية، كألعاب الذكاء، وخارطة الدول، والأشكال اللانهائية التي يمكن تكوينها من سبع مثلثات مختلفة الأحجام، وهنا مجموعة من ألعاب الألغاز كـــتجميع صورة مُفكَّكة لقطع صغيرة، ولعبة إيجاد اللفظ المُطابق للصورة، الشطرنج وغيرها من ألعاب أجدادنا القديمة المحسوسة في زمانهم، وفي زماننا بكل أسى أصبحت مختصرة في تطبيق وكبس للأزرار.

وبالمناسبة؛ نصف هذه الألعاب هي مُهداة لهم في مُناسباتهم الخاصة، لأن من حولي يعلمون سياستي في الهدايا، أن يسألوني عما أحتاج وأريد.

لم أقبل إطلاقاً الألعاب التي تحتاج لبطاريات وهي عبارة عن أصوات وحركات!

ولم أقبل الألعاب التي لا تعمل بدون اتصال بالانترنت!

والحمدلله من حولي حفظوا رغبتي وأسلوبي وأحسنوا وأكرموا في هداياهم -جزاهم الرحمٰن عنِّي خير الجزاء-.

أعي أنّك قد تجدين هذا إسرافاً وتبذيراً وبطراً، لكن هذا ليس كذلك!



الله الكريم علم رغبتي في صنع طفولة جميلة لأطفالي، الله يعلم مدى تأثير ذكريات الطفولة على المرء بشكل كبير، ويعلم كم سألته العون والتسديد والتوفيق في سبيل إيجاد هذه البيئة لهم.

إن كنت سلَّمت أطفالي للتلفاز والهاتف واللوح الالكتروني منذ ولادتهم، فما هو الشيء المختلف الذي سيذكرونه عن طفولتهم خصوصاً أنَّهم حتماً ولا بُد سيحتاجون كل هذه الأجهزة مستقبلاً؟!

الطفولة تعني اللعب والمرح، وأساس الغرس في الطفولة هو اللعب بكامل الحواس وتنشيطها -لا تغفيلها وتركها مستسلمة لكل ما هبَّ ودبَّ على شبكة الانترنت-،

وعندما ينضج الإنسان تقلُّ رغبته وربما تنعدم في اللعب، ودائماً ما يُرمز للعب بأنه شيء خاص بالأطفال، فإن لم يلعب الأطفال في طفولتهم، فمتى إذن؟!

ثمّ إنَّ كمَّ الفساد العقلي والديني والفطري الذي يُقدّم للأطفال بخبث ودهاء في الألعاب والبرامج التلفزيونية والفديوهات لا يُحصى! أخبريني من سيكون المسؤول أمام الله عن هذه الجريمة؟ أولست أنا؟

لا أقوى على تحمّل هذا الذنب الشنيع، لا أقوى على إفساد الفطرة النقية، ولا أريد أن أُضيف لهذا العالم فرداً ممسوخاً ممحوا الهويّة، شخصاً تشبّع نظره وسمعه وقلبه بالفتن والمُحرّمات حتى أصبح لا يقتنع بل لا يُصدق بأنَّ ديننا قد حرَّم هذه الأشياء، والمصيبة اليوم أنّ كثيراً من أطفال اليوم من تشبّع بهذا القرف والفساد؛ حين يُصبحون شباباً، ويُصدقّون بأنَّ الدِّين حقاً وصدقاً قد حرَّم هذا وتلك؛ يُقرِّر أن يطعن في صحة الدين وحقيقته، وينساق تباعاً لنفس التسلسل الانهزامي السلبي القائم على تعطيل فطرة الإنسان وعقله وروحه؛ وجعل الإنسان مثل رجل آلي لا يقول إلا ما يُملى عليه، ولا يفعل إلَّا ما بُرمِج عليه…






وبالمناسبة، سابقاً كان الطفل يخرج مع ضوء الصباح حتى مغيب الشمس، وحين يُصبح شاباً يكون على قدر عال من المسؤولية والنضج، وتكون روحه سويّة.

اليوم في زماننا لم يعد مُتاحاً أن يلعب الطفل خارجاً، أصبح اليوم خروجه خارج المنزل مستحيل، فــقد يتعرض للخطف أو الأذى، عدا أنَّ السيارات لن تُتيح لهم اللعب واللهو والركض وغيرها من أنشطة الطفولة.

وقام الإنسان بتحديد الأماكن، فالنوادي للعب، والمباني التجارية للتبضُّع، وهكذا؛ وكما تعلمين نحن نذهب للنادي مرة أسبوعياً بأقل تقدير، لأن ها حق لهم، لأن هذا بالنسبة للطفل كالماء والغذاء؛ استنشاق الهواء، والبيئات المفتوحة، والإنطلاق كلها أساسيات لنمو الطفل سليمَ البدن والفكر والروح والقلب.

والله خالق البشرية فطر الطفل على اللعب، وهو عليم حكيم جعل التعلّم يُؤتي ثِماره باللعب، فمن نحن لُنلغي اللعب ونمنعهم منه؟!

أسأل الله العظيم ربَّ العرش الكريم أن يُنير بصائرنا، وأن يُعيننا على طاعته ومَرضاته، وأن يجعلنا آباءً صالحين طيِّبين مُوحّدين، وأن يحفظ علينا وعلى ذريتنا أجمعين عقيدة الدين ومكارم الأخلاق والفِطَر السويّة.

مشاركة مميزة

ما الذي تفتقده البشرية يا تُرى؟