قال " ابن القيِّم "
:
" ولما كان البدن المريض يؤذيه ما لا يؤذي الصحيح
من يسير الحر والبرد والحركة ونحو ذلك ، فكذلك القلب إذا كان فيه مرض آذاه أدنى شيء
من الشبهة أو الشهوة ، حيث لا يقدر على دفعهما إذا وردا عليه ، والقلب الصحيح القوي
يطرقه أضعاف ذلك وهو يدفعه بقوته وصحته " .
فمريض القلب أي
نفحة هواء أو هبة تراب تصيبه في مقتل ، وأي شهوة عابرة أو زلة تتسبب في فتنته ، وأعرى
فخ للشيطان يسقط فيه ، وأسهل مكيدة لعدوه يسارع إليها ، والسبب في ذلك كله ضعف قلبه
وانهيار أجهزة المناعة لديه .
"السرطان"...
أصعب المرض عدم معرفة المرض ، وأصعب منه عدم معرفة
أنك مريض ، وأصعب أن ترفض الاستماع إلى وصية الطبيب ، وهذه ثلاثتها تجتمع في
أمراض القلوب ، فمرض القلب خفي قد لا يعرفه صاحبه ؛ لذلك يغفل عنه ، وأمراض القلوب
هي سرطان الروح ، وخطورتها في أنها كالمرض الخبيث تتسلل إليك دون أن تشعر ، فلا ارتفاع
حرارة ولا ضغط مرتفع ولا نزيف يؤلم أو جرح ينذر ، لذا يمرض فيها الطب ولا ينفع.
قال لنا "ابن القيِّم
" بعد أن زرناه في عيادته الربانية :
" وقد يمرض القلب ويشتد مرضه ولا يعرف به صاحبه
لاشتغاله وانصرافه عن معرفة صحته وأسبابها ، بل قد يموت وصاحبه لا يشعر بموته ، وعلامة
ذلك أنه لا تؤلمه جراحات القبائح ولا يوجعه جهله بالحق ، فإن القلب إذا كان فيه حياة
تألّم بورود القبيح عليه ، وتألّم بجهله بالحق بحسب حياته ، وما لجرح بميت إيلام
" .
ومما يجعل مرض
القلب أخطر من مرض البدن بكثير أن مرض القلب عذابه دائم بعد الموت لا ينقضي ؛ بعكس
مرض البدن الذي يُتخَلَّص منه بالموت ، مما يجعل الاهتمام بأمراض القلوب أوجب والسعي
في علاجها أدعى.
إن ما يصيب البدن
من أسقام في هذه الحياة يؤجر عليه الإنسان ، أما ما يصيب القلب من أمراض فهو الإثم
كله والهلاك كله في الحياة وبعد الممات ، إنك إذا دخلت معركة فقتلك العدو الظاهر وسلبك
حياتك لمتّ شهيداً ، أما إذا غلبك العدو الباطن بأسلحة الشهوات والشبهات لمُتّ حينئذ
طريداً ، وشتَّان عند الله ما بين شهيد وطريد ، شتَّان شتَّان ....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق