9- " الانقلاب " ...
القلب هو أرق أعضاء
الجسم وأسرعها تأثرا بما يحيط به ويغشاه ، ومن رقَّته أن تؤثِّر فيه أدنى خاطرة وأقل
هاجس ، وأثر القليل عليه كثير ، فالآفات إليه أسرع ، وهو إلى الانفلات أدنى ، ومن الانقلاب
أقرب .... فإن قلب المرء وإن صفا زمناً، وثبت على الإيمان فترة ، واستلذ بحلاوته حيناً
؛ فإنَّه مُعرَّضٌ للانتكاسة ، وهذه هي طبيعة القلب ومنها اشتُقَّ اسمه.
قال القرطبي وهو
يشرح معنى كلمة القلب :
" وهو في الأصل مصدر قلبت الشيء أقلبه قلباً
إذا رددته على بداءته ، وقلبت الإناء : رددته على وجهه ، ثم نُقِل هذا اللفظ فسُمِّي
به هذا العضو ؛ لسرعة الخواطر إليه ولترددها عليه كما قيل :
((ما سُمِّي القلب
إلا من تقلُّبه ... فاحذر على القلب من قلب وتحول )) " ...
قال النبي صلى
الله عليه وسلم : « إنما سُمِّي القلب من تَقَلُّبِه ، إنما مثل القلب مثل ريشة بالفلاة
تعلقت في أصل شجرة يُقلِّبها الريح ظهرا لبطن » ، وإن القلب شديد التقلب سريع التحول
، ويضرب النبي صلى الله عليه وسلم لذلك مثلا فيقول : « لقلب ابن آدم أسرع انقلابا من
القدر إذا استجمعت غليانًا » .
إن بقاء قلب المؤمن
على الدرجة الرفيعة من الإيمان التي يجدها بعد أعظم العبادات قدرًا ، وعقب أكثر المواسم
خيرا وفضلا ؛ أمر مستحيل ؛ لشدة انشغال القلب بالدنيا وملذاتها ، وما يعتريه فيها من
أفراح وأتراح ، بل وتعرّضها لغزوات الشيطان المتلاحقة ، وتلاعب اليهود بالعورات ، وعزفهم
على وتر الأهواء ، ومع ذلك أريد أن أطمئنك وأُخوِّفك في الوقت ذاته ما دام تقليب القلوب
بيد الله وحده.
يقول النبي صلى
الله عليه وسلم : « إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرِّفه
حيث يشاء » ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « اللهم مصرِّف القلوب صرِّف قلوبنا
على طاعتك » .
أخي .. لقد صليت
اليوم خمس صلوات فأجبني صادقاً : كم مرة دعوت بهذا الدعاء؟! مع أنك أحوج إليه من رسول
الله صلى الله عليه وسلم ، والفتن اليوم أعم وأطغى ، والقلب أضعف وأوهن ، فاحرص على
ما بينك وبين الله ، وصِل ما انقطع من حبالك معه حتى يثبِّتك على مرضاته اليوم ويهديك...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق