الأربعاء، 23 يناير 2013

أهميَّة القلب ...5

5- "النَّافع الوحيد "..

 
 قال عز وجل : ﴿ يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنوْنٌ * إِلا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَليْمٍ ﴾ [ الشعراء : 88-89 ].
فلا القول ينفع ، ولا العمل يشفع ، بل سلامة القلب هي أصل كل نجاة ؛ كما أن فساده أصل كل بليَّة ،لكن ما هو القلب السليم ؟!

 والجواب : هو القلب الذي سَلِمَ من كلِّ شيء إلا من عبوديته لربِّه.
 قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " فالقلب السليم المحمود هو الذي يريد الخير لا الشر ، وكمال ذلك بأن يعرف الخير والشر ؛ فأمَّا من لا يعرف الشر فذاك نقص فيه لا يُمدح به " .

 وتأمل كيف جعل الله المال والبنون بمعنى الغنى ، كأنَّ المعنى : يوم لا ينفع أحد غناه إلا غنى من أتى الله بقلب سليم ؛ لأن غنى الرجل الحقيقي هو في دينه بسلامة قلبه كما أن غناه في دنياه بماله وولده ، وعلى هذا يكون من معاني القلب السليم أي من فتنة المال والبنين.

لكن تلميذا نجيبا من تلامذة "ابن تيمية" أفاض في شرح معنى القلب السليم ؛ يبغي بذلك إزالة أي لبس أو غموض حتى يسهل الوصول إلى المراد ، فقال الإمام "ابن القيِّم " :

 " والقلب السليم هو الذى سلم من الشرك والغلِّ والحقد والحسد والشُّح والكبر وحب الدنيا والرياسة ، فسلم من كل آفة تبعده من الله ، وسلم من كل شبهة تعارض خبره ، ومن كل شهوة تعارض أمره ، وسلم من كل إرادة تزاحم مراده ، وسلم من كل قاطع يقطعه عن الله ، فهذا القلب السليم في جنَّة معجَّلة في الدنيا ، وفى جنَّة في البرزخ ، وفى جنَّة يوم المعاد ، ولا يتمُّ له سلامته مطلقاً ؛ حتى يسلم من خمسة أشياء : من شرك يُناقض التوحيد ، وبدعة تخالف السنة ، وشهوة تخالف الأمر ، وغفلة تناقض الذكر ، وهوى يناقض التجريد والاخلاص ، وهذه الخمسة حجب عن الله " .

 وفي سورة ق :
﴿ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ ﴾ [ ق : 32-33 ].

 
وتأمل قوله تعالى في الشعراء : ﴿ أَتَى ﴾ ، وفي ق : ﴿ جَاءَ ﴾ ، وكأن المعنى الذي يريد أن يوصله لك ربك : اِئتِنِي  بقلب سليم و جئني بقلب منيب تنجُ من عذابي وتنل رضائي ، فأنت يا أخي وحدك الذي تملك أن تأتي بهذا القلب وليس أحد غيرك.


وفي المقابل قد يدخل عبد النار بسبب قلب كما قال تعالى :

﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا ﴾ [ الأعراف : 179 ].

 بل إن حال العبد في قبره ما هو إلا انعكاس لحال قلبه في الدنيا كما قرَّر ذلك "ابن القيِّم" وهو يزيدنا في كتابه زاد المعاد :
     " فحال العبد في القبر كحال القلب في الصدر نعيماً وعذاباً وسجناً وانطلاقا " .

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

ما الذي تفتقده البشرية يا تُرى؟