الأربعاء، 23 يناير 2013

أهميَّة القلب ...11

11- "رسالة تحذير " ...


 

قال صلَّى الله عليه وسلَّم : « أول ما يُرْفع من الناس الخشوع » .
وهو إشارة إلى أن علم القلوب سيضمحل وسط طغيان علوم الدنيا ، وأن أسراره ستضيع وبركاته ستذهب وسط الزحام ، وهو أول فساد يمسُّ الأرض بعد رسول الله ، ليكون علامة على خبث الباطن ، ومخالفة السر العلن ، وعندها فساد كل شيء : تذبل القلوب لموت الأرواح فيها ، وتقرأ الألسنة العربية القرآن وكأنها أعجمية ، فلا فهم ولا تدبر ولا امتثال ، وتنشغل الأمّة –إن انشغلت- بمظهر العبادة دون جوهرها ، وتهتم بأركانها دون مقاصدها ، ويكثر البهرج الزائف وإن اتَّشح بوشاح القرآن. قال صلى الله عليه وسلم : " أكثر منافقي أمّتي قرَّاؤها " ....


وإذا فشا النفاق في أمّة رأيتَ العجب العجاب ، ليس في زماننا فحسب ، بل وفي زمان من هم أزكى منا وأطهر ، وليس بين العوام بل بين حفظة كتاب الله.


قال النووي : ما أخاف على ذِمِّي إلا القُرَّاء والعلماء ، فاستنكروا منه ذلك ، فقال : ما أنا قلته وإنما قاله إبراهيم النخعي ، وقال عطاء : احذروا القُرَّاء واحذروني معهم ، فلو خالفتُ أودَّهم لي في رمانة ؛ أقول إنها حلوة ويقول إنها حامضة ما أمنته أن يسعى بدمي إلى سلطان جائر ، وقال الفضيل لابنه : اشتروا دارا بعيدة عن القُرَّاء ؛ ما لي والقوم! إن ظهرت مني زلة قتلوني ، وإن ظهرت علي حسنة حسدوني .


وهل هذا إلا لفساد الباطن وخبث السريرة ؛ مع أن الله قد يهدي بقراءتهم الألوف من الناس ، لكن ذلك لا يُغني عنهم من عذاب الله من شيء إن هم فسدت قلوبهم ، وهذا ما سبق وحذَّرنا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم فروى عنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله :

« إن أخوف ما أخاف على أمّتي كل منافق عليم اللسان » .

قال المناوي شارحاً :
 " أي كثير علم اللسان ، جاهل القلب والعمل ، اتخذ العلم حرفة يتأكل بها ذا هيبة وأبهة يتعزز ويتعاظم بها ؛ يدعو الناس إلى الله ويفرُّ هو منه ، ويستقبح عيب غيره ويفعل ما هو أقبح منه ، ويُظهِر للناس التنسك والتعبد و يُسَارِرُ ربه بالعظائم ، إذا خلا به ذئب من الذئاب لكن عليه ثياب ، فهذا هو الذي حذَّر منه الشارع هنا حذرا من أن يخطِفك بحلاوة لسانه ، ويُحرِقك بنار عصيانه ، ويقتلك بنتن باطنه وجنانه " .

 وسبب تحديث عمر رضي الله عنه بهذا الحديث أن الأحنف بن قيس سيد أهل البصرة كان فاضلا فصيحا مفوَّها ، فقدم على عمر فحبسه عنده سنة يأتيه كل يوم وليلة ، فلا يأتيه عنه إلا ما يحب ، ثم دعاه فقال : تدري لم حبستك عني؟! قال : لا. قال : إن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حدَّثنا فذكر الحديث ، ثم قال : " خشيتُ أن تكون منافقا عليم اللسان ، وإنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حذَّرنا منه ، وأرجو أن تكون مؤمناً فانحدر إلى مصرك " ...


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

ما الذي تفتقده البشرية يا تُرى؟