11- "رسالة تحذير " ...
قال صلَّى الله عليه
وسلَّم : « أول ما يُرْفع من الناس الخشوع » .
وهو إشارة إلى
أن علم القلوب سيضمحل وسط طغيان علوم الدنيا ، وأن أسراره ستضيع وبركاته ستذهب وسط
الزحام ، وهو أول فساد يمسُّ الأرض بعد رسول الله ، ليكون علامة على خبث الباطن ، ومخالفة
السر العلن ، وعندها فساد كل شيء : تذبل القلوب لموت الأرواح فيها ، وتقرأ الألسنة
العربية القرآن وكأنها أعجمية ، فلا فهم ولا تدبر ولا امتثال ، وتنشغل الأمّة –إن انشغلت-
بمظهر العبادة دون جوهرها ، وتهتم بأركانها دون مقاصدها ، ويكثر البهرج الزائف وإن
اتَّشح بوشاح القرآن. قال صلى الله عليه وسلم : " أكثر منافقي أمّتي قرَّاؤها
" ....
وإذا فشا النفاق
في أمّة رأيتَ العجب العجاب ، ليس في زماننا فحسب ، بل وفي زمان من هم أزكى منا وأطهر
، وليس بين العوام بل بين حفظة كتاب الله.
قال النووي : ما أخاف على ذِمِّي إلا القُرَّاء والعلماء ، فاستنكروا منه ذلك ، فقال
: ما أنا قلته وإنما قاله إبراهيم النخعي ، وقال عطاء : احذروا القُرَّاء واحذروني
معهم ، فلو خالفتُ أودَّهم لي في رمانة ؛ أقول إنها حلوة ويقول إنها حامضة ما أمنته
أن يسعى بدمي إلى سلطان جائر ، وقال الفضيل لابنه : اشتروا دارا بعيدة عن القُرَّاء
؛ ما لي والقوم! إن ظهرت مني زلة قتلوني ، وإن ظهرت علي حسنة حسدوني .
وهل هذا إلا لفساد
الباطن وخبث السريرة ؛ مع أن الله قد يهدي بقراءتهم الألوف من الناس ، لكن ذلك لا يُغني
عنهم من عذاب الله من شيء إن هم فسدت قلوبهم ، وهذا ما سبق وحذَّرنا منه رسول الله
صلى الله عليه وسلم فروى عنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله :
« إن أخوف ما أخاف
على أمّتي كل منافق عليم اللسان » .
قال المناوي شارحاً
:
" أي كثير علم اللسان ، جاهل القلب والعمل ،
اتخذ العلم حرفة يتأكل بها ذا هيبة وأبهة يتعزز ويتعاظم بها ؛ يدعو الناس إلى الله
ويفرُّ هو منه ، ويستقبح عيب غيره ويفعل ما هو أقبح منه ، ويُظهِر للناس التنسك والتعبد
و يُسَارِرُ ربه بالعظائم ، إذا خلا به ذئب من الذئاب لكن عليه ثياب ، فهذا هو الذي حذَّر
منه الشارع هنا حذرا من أن يخطِفك بحلاوة لسانه ، ويُحرِقك بنار عصيانه ، ويقتلك بنتن
باطنه وجنانه " .
وسبب تحديث عمر
رضي الله عنه بهذا الحديث أن الأحنف بن قيس سيد أهل البصرة كان فاضلا فصيحا مفوَّها
، فقدم على عمر فحبسه عنده سنة يأتيه كل يوم وليلة ، فلا يأتيه عنه إلا ما يحب ، ثم
دعاه فقال : تدري لم حبستك عني؟! قال : لا. قال : إن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حدَّثنا فذكر الحديث ، ثم قال
: " خشيتُ أن تكون منافقا عليم اللسان ، وإنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حذَّرنا
منه ، وأرجو أن تكون مؤمناً فانحدر إلى مصرك " ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق